بسواعد حديدية.. حلم آية حمزة يتحول إلى رمز للعمل والحرية في سوريا
بسواعد حديدية.. حلم آية حمزة يتحول إلى رمز للعمل والحرية في سوريا
تسطع قصص النساء في شمال وشرق سوريا كنورٍ يتسلل من بين دخان الحرب، ليحمل في طياته إرادة الحياة والمقاومة، فبين ركام المدن وصوت المعارك، تواصل نساء هذا الإقليم كفاحهن في مواجهة العقلية الذكورية التي حاولت تقييد أحلامهن لعقود طويلة.
وفي قلب هذه الثورة الاجتماعية، تتألق الشابة آية حمزة، ابنة الثامنة عشرة، كرمز حيّ لقدرة المرأة السورية على كسر القيود ومواجهة المستحيل بسواعد من حديد، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الاثنين.
تشق آية حمزة طريقها في مهنة الحدادة بمدينة الحسكة، متحدية نظرات المجتمع وأصوات الرفض التي حاولت إقناعها بأن الحدادة مهنة "للرجال فقط".
وتؤكد آية أنها تعمل في المهنة منذ كانت في الخامسة من عمرها، حين كانت ترافق والدها إلى الورشة، تتعلم منه أصول الحدادة وأسرارها.
تقول الشابة: "الحدادة شغفي، كانت ملاذي في أصعب الظروف.. علّمني والدي كيف أواجه الحديد بقوة، واليوم علّمني كيف أواجه المجتمع بالإصرار نفسه".
وترى آية أن حبها للمهنة لم يكن مجرد خيار عملي، بل نضالاً يومياً لإثبات أن المرأة قادرة على اقتحام أي مجال، مهما بدا صعبًا أو غير مألوف.
تحدٍ للصور النمطية
تُقرّ آية بأنها واجهت في بداياتها سيلًا من الانتقادات، إذ قال لها كثيرون: "أنتِ امرأة، هذه المهنة ليست لكِ"، لكنها لم تتراجع، بل ازداد إصرارها على المضي قدمًا.
وتروي الشابة أنها أخفت هويتها الحقيقية لثماني سنوات، متنكرة في هيئة شاب حتى لا تتعرض للانتقاد أو الإقصاء، قائلة: "تظاهرت بأني رجل خوفًا من نظرات الناس، لكني قررت منذ عام أن أخلع هذا القناع، وأعلن أن آية هي الحداد الحقيقي".
وبوجهها المبتسم وعينيها الواثقتين، باتت تقف اليوم أمام الجميع كرمز لشجاعة النساء السوريات اللائي يقاتلن على جبهتين: جبهة الحرب، وجبهة المجتمع.
إرادة لا تعرف المستحيل
تنجز آية جميع مهام الحدادة، من لحام الحديد إلى تصنيع الأبواب والنوافذ، مستخدمة أدوات ثقيلة لا تقل صلابة عن شخصيتها.
وتقول بثقة: "لا يوجد شيء صعب على المرأة إذا أرادت. القوة ليست في العضلات، بل في الإرادة. وأنا أملك إرادة لا تنكسر".
وفي مجتمعٍ تحكمه الأعراف الصارمة، ترى آية أن كل إنجاز صغير تحققه المرأة هو خطوة نحو التحرر.
وتشير إلى أن الحدادة بالنسبة لها ليست مجرد مهنة، بل رسالة تؤكد أن المرأة قادرة على إعادة تشكيل الواقع مثلما تُشكل الحديد.
دعوة إلى كسر والعادات
توجّه آية رسالة مؤثرة إلى العائلات التي تمنع بناتها من العمل أو تحقيق أحلامهن، قائلة: "أنتم تظلمون مستقبل بناتكم بأيديكم.. الزواج ليس الطريق الوحيد للأمان.. المهنة هي التي تمنح المرأة قوتها واستقلالها".
وتوضح أن كثيراً من الفتيات في منطقتها يعانين من القيود الاجتماعية التي تحرمهن من التعليم والعمل، معتبرة أن النضال الحقيقي يبدأ من تمكين المرأة اقتصاديًا ومنحها حرية القرار.
من الحدادة إلى التمكين
تسعى آية اليوم إلى تحقيق حلم جديد بإنشاء ورشة خاصة بها لتدريب الفتيات على مهنة الحدادة، مؤكدةً استعدادها لتعليم كل من ترغب في كسر حاجز الخوف ومواجهة الواقع.
وتقول: "أريد أن أفتح بابي لكل فتاة تحلم بأن تكون حرة. أريد أن أريهن أن الحديد لا يُكسر إلا بالإرادة".
وتدعو المؤسسات المحلية والدولية إلى دعم النساء في مشاريعهن المهنية الصغيرة، مؤكدة أن الاستثمار في المرأة هو استثمار في السلام والمستقبل.
نساء يصنعن الحياة
تُجسد آية حمزة نموذجًا مصغرًا عن آلاف النساء في شمال وشرق سوريا، اللواتي صنعن من الألم دافعًا للحياة، ومن المعاناة وقودًا للأمل.
وفي مجتمع مزّقته الحرب وقيّدته التقاليد، تبقى قصصهنّ دليلاً على أن الثورة الحقيقية ليست فقط في ميادين القتال، بل في عقول وقلوب النساء اللاتي قررن أن يَكُنّ صوتًا للحرية والإصرار على الحلم.